لماذا لا نحتفل نحن المسلمين بعيد الحب
و للإجابة على ذلك أوجه عدة منها :
الوجه الأول : أن الأعياد في الإسلام محددة و ثابتة لا تقبل الزيادة ولا النقصان ، و هي كذلك من صلب عباداتنا يعني ذلك أنها توقيفية ، شرعها لنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . قال ابن تيمية رحمه الله : " الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه : { لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا } و قال : { لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه } ..... ". [ الاقتضاء (1/471-472) ]
وبما أن عيد الحب يرجع إلى العهد الرومي ، وليس الإسلامي فإن هذا يعني أنه من خصوصيات النصارى وليس للإسلام والمسلمين فيه حظ ولا نصيب ، فإذا كان لكل قوم عيد كما قال صلى الله عليه وسلم : " إن لكل قوم عيداً " رواه البخاري ومسلم ، فهذا القول منه صلى الله عليه وسلم يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم ، فإذا كان للنصارى عيد ولليهود عيد كانوا مختصين به فلا يشاركهم فيه مسلم كما لا يشاركهم في شرعتهم و لا قبلتهم .
الوجه الثاني : أن الاحتفال بعي الحب فيه تشبه بالرومان الوثنيين ثم بالنصارى الكتابيين فيما قلدوا فيه الرومان وليس هو من دينهم . وإذا كان يمنع من التشبه بالنصارى فيما هو من دينهم حقيقة - إذا لم يكن من ديننا - فكيف بما أحدثوه في دينهم وقلدوا فيه عباد الأوثان!!
وعموم التشبه بالكفار - وثنيين أو كتابيين - محرم ، سواء كان التشبه في عباداتهم - وهي الأخطر - أو في عاداتهم وسلوكياتهم ، دل على ذلك الكتاب والسنة والإجماع :
1- فمن القرآن قول الله تعالى : { ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم } . آل عمران / 105
2- ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من تشبه بقوم فهو منهم " . أخرجه أحمد 2/50 وأبو داود 4021
3- و أما الإجماع فقد نقل ابن تيمية أنه منعقد على حرمة التشبه بالكفار في أعيادهم في وقت الصحابة رضي الله عنهم ، كما نقل ابن القيم إجماع العلماء على ذلك . ( انظر الاقتضاء 1/454 ) وأحكام أهل الذمة ( 2/722 - 725 ) .
والتقليد يحدث خللاً في شخصية المسلم ، من الشعور بالنقص والصغار، والضعف والانهزامية ، ثم البعد والعزوف عن منهج الله وشرعه .
الوجه الثالث : أن المقصود من عيد الحب في هذا الزمن إشاعة المحبة بين الناس كلهم مؤمنهم وكافرهم ، ولا شك في حرمة محبة الكفار ومودتهم ، قال تعالى : { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم } ( المجادلة : 22 ) ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : " فأخبر سبحانه أنه لا يوجد مؤمن يواد كافرًا ، فمن واد الكفار فليس بمؤمن ، والمشابهة الظاهرة مظنة المودة فتكون محرمة " . الاقتضاء 1/490
الوجه الرابع : أن المحبة المقصودة في هذا العيد منذ أن أحياه النصارى هي محبة العشق والغرام خارج إطار الزوجية ، ونتيجة ذلك : انتشار الزنى والفواحش ، ولذلك حاربه رجال الدين النصراني في وقت من الأوقات وأبطلوه ثم أعيد مرة أخرى .
و قد يتساءل البعض فيقولون : أنتم بهذا تريدون حرماننا من الحب ،
و نحن في هذا اليوم إنما نعبر عن مشاعرنا وعواطفنا ، فما المحذور في ذلك ؟
فنقول :
أولاً : من الخطأ الخلط بين ظاهر مسمى اليوم وحقيقة ما يريدون من ورائه ، فالحب المقصود في هذا اليوم هو العشق والهيام واتخاذ الأخدان و المعروف عنه أنه يوم الإباحية والجنس عندهم بلا قيود أو حدود ... وهؤلاء لا يتحدثون عن الحب الطاهر بين الرجل وزوجته والمرأة وزوجها ، أو على الأقلّ لا يفرّقون بين الحبّ الشّرعي في علاقة الزوجين وبين الحبّ المحرّم للعشيقات والأخدان فالعيد عندهم وسيلة لتعبير الجميع عن الحبّ .
ثانياً : إنّ التعبير عن المشاعر و العواطف لا يسوِّغ للمسلم إحداث يوم يعظمه و يخصه من تلقاء نفسه بذلك ، و يسميه عيداً أو يجعله كالعيد ، فكيف و هو من أعياد الكفار ؟
ثالثاً : لا يوجد دين يحث أبناءه على التحابب والمودة و التآلف كدين الإسلام ، وهذا في كل وقت وحين لا في يوم بعينه بل حث على إظهار العاطفة و الحب في كل وقت كما قال عليه الصلاة و السلام : " إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه " . صحيح ، رواه أبو داوود / 5124
رابعاً : إن الحب في الإسلام أعم وأشمل وأسمى من قصره على صورة واحدة وهي الحب بين الرجل والمرأة ، بل هناك مجالات أشمل و أرحب و أسمى ، فهناك حب الله تعالى و حب رسوله صلى الله عليه وسلم و صحابته رضوان الله عليهم ، و هناك محاب كثيرة ، فمن الخطأ قصر هذا المعنى الواسع على هذا النوع من الحب .