السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل صحيح أنّ النبي كان يقرأ ويُكتب ، وسُمّي بالأميِّ لأنه كان من أهل مكة أم القرى ؟
كيف الرد على هذه الرسالة حيث إنها انتشرت بين عامة الناس وخاصة البنات في المدارس يعلمون التلاميذ
لماذا وُصِف الرسول عليه الصلاة والسلام أُمّيا ؟
سأل أحد الناس عالم جليل فقال له: لم سمي النبي الأمّي ؟
فقال : ما يقول الناس ؟
فقال الرجل : يقولون أنه سُمي الأمَي لأنه لم يحسن أن يكتب !
فقال له : كذبوا عليكم كيف !! والله يقول في محكم كتابه : " هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة " فكيف كان يعلمهم ما لا يحسن ؟
والله لقد كان رسول الله يقرأ ويكتب بثلاث وسبعين لساناً، وإنما سُمي " الأمّي " لأنه كان من أهل مكة ! ومكة من أمهات القرى ويطلق عليها أم القرى ، وذلك قول الله عز وجل "ولينذر أم القرى ومن حولها" .
الجواب :
هذا المذكور كذَِب ، فإن أكثر العلماء بينوا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقرأ مِن كِتاب مباشرة ، ولا كَتَب بِيده شيئا .
قال تعالى : (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ)
قال أبو حيان في تفسيره " البحر المحيط " : وَلا تَخُطُّهُ : أَيْ لا تَقْرَأُ وَلا تَكْتُبُ، (بِيَمِينِكَ) : وَهِيَ الْجَارِحَةُ الَّتِي يُكْتَبُ بِهَا، وَذِكْرُهَا زِيَادَةُ تَصْوِيرٍ لِمَا نُفِيَ عَنْهُ مِنَ الْكِتَابَةِ، لَمَّا ذَكَرَ إِنْزَالَ الْكِتَابِ عَلَيْهِ، مُتَضَمَّنًا مِنَ الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ وَالإِخْبَارِ عَنِ الأُمَمِ السَّابِقَةِ وَالأُمُورِ الْمَغِيبَةِ مَا أَعْجَزَ الْبَشَرَ أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ . أَخَذَ يُحَقِّقُ، كَوْنُهُ نَازِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، بِأَنَّهُ ظَهَرَ عَنْ رَجُلٍ أُمِّيٌّ، لا يَقْرَأُ وَلا يَكْتُبُ ، وَلا يُخَالِطُ أَهْلَ الْعِلْمِ . وَظُهُورُ هَذَا الْقُرْآنِ الْمُنَزَّلِ عَلَيْهِ أَعْظَمُ دَلِيلٍ عَلَى صِدْقِهِ ، وَأَكْثَرُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكْتُبْ قَطُّ ، وَلَمْ يَقْرَأْ بِالنَّظَرِ فِي كِتَابٍ .
وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ : مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى كَتَبَ ...
وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ أَبُو ذَرٍّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْهَرَوِيُّ، وَالْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ وَغَيْرُهُمَا. وَاشْتَدَّ نَكِيرُ كَثِيرٍ مِنْ عُلَمَاءِ بِلادِنَا عَلَى أَبِي الْوَلِيدِ الْبَاجِيِّ، حَتَّى كَانَ بَعْضُهُمْ يَسُبُّهُ وَيَطْعَنُ فِيهِ عَلَى الْمِنْبَرِ . اهـ .
أي : لأجْل أنه زَعَم أن النبي صلى الله عليه وسلم كَتَب بِيدِه .
وقد اشتدّ نكير العلماء على أَبي الْوَلِيدِ الْبَاجِيّ حينما قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم كَتَب يوم الحديبية .
قال القاضي عياض : وَلَمَّا ألَّف أبو الوليد رسالته المسماة بتحقيق المذهب مِن أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب ، وكان أصل ذلك أنه قرئ عليه بِدَانِية في كتاب البخاري، حديث المقاضاة ، فمرّ في حديث إسرائيل فتكلَّم أبو الوليد على الحديث ، وذَكَر قول مَن قال بظاهر هذا اللفظ ، فأنكره عليه ابن الصائغ وكفّره بإجازته الكتابة على النبي الأمي ، وأن هذا تكذيب للقرآن ، وأعلى ما حمل من أشياعه في الإنكار والشناعة، وقبّحوا عند العامة ما أتى به ، وأكثر القالة فيه مَن لم يفهم غرضه ، حتى أطلق عليه اللعنة غُلاتهم وضمنوا البراءة منها ، أشعارهم ، وحتى قام بذلك بعض خطبائهم في الجمع . اهـ .
قال الذهبي :
فَصَنَّف القَاضِي أَبُو الوَلِيْدِ (رِسَالَةً) بَيَّنَ فِيْهَا أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ قَادحٍ فِي المُعجزَة ، فَرَجَعَ بِهَا جَمَاعَةٌ .
قال الذهبي :
قُلْتُ : يَجوز عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكْتُبَ اسْمه لَيْسَ إِلاَّ ، وَلاَ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنه أُمِّيا ، وَمَا مَنْ كَتب اسْمَه مِنَ الأُمَرَاء وَالوُلاَة إِدمَاناً لِلعلاَمَةِ يُعَدُّ كَاتِباً ، فَالحكمُ لِلغَالِب لاَ لِمَا نَدَرَ ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصّلاة والسَّلاَمُ : " إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لاَ نَكْتُبُ وَلا نَحْسُبُ " ، أَي : لأَنَّ أَكْثَرهم كَذَلِكَ، وَقَدْ كَانَ فِيهِم الكَتَبَةُ قَلِيْلاً .
وَقَالَ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُوْلاً مِنْهم) .
فَقوله عَلَيْهِ الصّلاة والسَّلاَمُ : " لاَ نَحْسُبُ " حَقٌّ، وَمَعَ هَذَا فَكَانَ يَعرف السِّنِيْنَ وَالحسَابَ، وَقَسْمَ الفَيْءِ، وَقِسْمَةَ الموَارِيث بِالحسَاب العَربِي الفِطرِي ، لاَ بحسَاب القِبط وَلاَ الجَبْر وَالمُقَابلَة ، بِأَبِي هُوَ وَنَفْسِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ كَانَ سَيِّدَ الأَذكيَاء، وَيَبْعُد فِي العَادَة أَنَّ الذّكيَّ يُمْلِي الوحِي وَكُتُبَ المُلُوْكِ وَغَيْرَ ذَلِكَ عَلَى كُتَّابه ، وَيَرَى اسْمَه الشَّرِيْف فِي خَاتِمه ، وَلاَ يَعرفُ هيئَةَ ذَلِكَ مَعَ الطُّول ، وَلاَ يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ أُمِّيَّته ، وَبَعْضُ العُلَمَاء عدَّ مَا كَتَبَهُ يَوْم الحُدَيْبِيَة مِنْ مُعجزَاته، لِكَوْنِهِ لاَ يَعرِفُ الكِتَابَة وَكَتَبَ . اهـ .
ومما يُؤكِّد أن المقصود بالأمِّيَّة : أنه لا يقرأ ولا يَكتب ، قوله عليه الصلاة والسلام : إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ . رواه البخاري ومسلم .
قال الإمام النووي : قَالَ الْعُلَمَاءُ : أُمِّيَّةٌ ، بَاقُونَ عَلَى مَا وَلَدَتْنَا عَلَيْهِ الأُمَّهَاتُ لا نَكْتُبُ وَلا نَحْسُبُ . وَمِنْهُ : النَّبِيُّ الأُمِّيُّ . اهـ .
ووَصْف النبي صلى الله عليه وسلم بالأمِّيّ وصْف مَدْح ؛ لأنه أبْلَغ في المعجزة ، إذا جاء بِكتاب مُعْجِز ، وهو لا يَقرأ ولا يَكتب .
ومِن أجل أن يَكون أكثر تحدِّيًا للعِرب ، إذْ لم يَكن قارئا ولا كاتِبا ، ومع ذلك جاء بِكِتاب مُعْجِز لهم .
رُوِيَ أَنَّ الْمَأْمُونَ قَالَ لأَبِي عَلِيٍّ الْمِنْقَرِيِّ : بَلَغَنِي أَنَّكَ أُمِّيٌّ ، وَأَنَّكَ لا تُقِيمُ الشِّعْرَ، وَأَنَّكَ تَلْحَنُ .
فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَمَّا اللَّحْنُ فَرُبَّمَا سَبَقَ لِسَانِي مِنْهُ بِشَيْءٍ، وَأَمَّا الأُمِّيَّةُ وَكَسْرُ الشَّعْرِ ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَكْتُبُ وَلا يُقِيمُ الشِّعْرَ. فَقَالَ لَهُ : سَأَلْتُكَ عَنْ ثَلاثَةِ عُيُوبٍ فِيكَ فَزِدْتَنِي رَابِعًا ، وَهُوَ الْجَهْلُ ، يَا جَاهِلُ ! إِنَّ ذَلِكَ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضِيلَةً ، وَهُوَ فِيكَ وَفِي أَمْثَالِكَ نَقِيصَةٌ، وَإِنَّمَا مُنِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لِنَفْيِ الظِّنَّةِ عنه ، لا لعيب في الشعر والكتابة .
ولو افترضنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ أوْ كَتَب في موطن واحد ، فإنه لا يُسمَّى قارئا ، ولا يُسمّى كاتِبا .
والله تعالى أعلم .