الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد .
أحمده تعالى وأستهديه وأسترشده وأتوب إليه وأستغفره وأعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا .
والصلاة والسلام الأتمّان الأكملان على سيدنا محمد سيد ولد عدنان، بعثه الله رحمة للعالمين هاديا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه سراجا وهاجا وقمرا منيرا فهدى الله به الأمة وكشف به عنها الغمة وبلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حقّ جهاده فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا من أنبيائه.
أما بعد أيها الأحبة المسلمون أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله العظيم . هذه هي سفينة النجاة، هذا الذي ينفع يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم . وفي الجمعة الأولى من شهر رمضان المبارك، وفي الجمعة الأولى من شهر القرآن العظيم، وفي الجمعة الأولى من شهر الخير والرحمة والبركات، يطيب لنا ان نتذكر ونذاكر ونتذاكر آداب الصيام.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
هذا الصيام العظيم له شروط و له فرائض وله مفسدات ومبطلات وله سنن . فعلى مريد رضا الله سبحانه وتعالى وسلامة دينه أن يتعلم ضروريات علم الدين ومنها أحكام الصيام حتى يكون صيامه صحيحا، حتى يكون صيامه مقبولا وإلا فليس له من صيامه إلا الجوع والعطش.
شهر رمضان يقبل فيه الناس على التوبة وحريّ بمن أقبل على التوبة أن يثبت فإن عذاب الله شديد و إن جهنم حرّها شديد وقعرها بعيد . فإذا كنا لا نطيق حرّ الدنيا و لا زمهريرها فكيف بنا بحرّ جهنم وزمهريرها.
فيا أخي المؤمن، يا من أقبلت إلى المسجد طائعا تائبا اثبت على الطاعة فإنها نور لك وبرهان، اثبت على التوبة فهذا زينة لك وهذه هي الحكمة بعينها واعزم في قلبك أنك لن تعود إلى الفحشاء والمنكر بعد انقضاء شهر الصيام.
للصيام فرائض فلا بد من النية المبيّتة في كل ليلة، تقول بقلبك نويت صيام يوم غد عن رمضان هذه السنة إيمانا واحتسابا لله تعالى، والنية محلها القلب ولا بد من الإمساك عن المفطرات ما كان منها مغذيا وغير مغذ ما كان منها طعاما أو دواء ما كان منها نافعا أو غير نافع، فإدخال شيء له حجم من منفذ مفتوح إلى الرأس أو الجوف بطريق الإحتقان أو الشراب أو الطعام فإنه مفسد للصيام.
ولا بد من تجنب الردة التي تخرج صاحبها من الإيمان في الصيام وفي غير شهر الصيام لأن الله تعالى يقول : { وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} ءال عمران 102.
يجب على كافة المكلفين الدخول في دين الإسلام و الثبوت فيه على الدوام والتزام ما لزم عليه من الأحكام.
هكذا قال الفقهاء وعلى العقلاء الإلتزام، فيا أخي الصائم غاضبا كنت أم مازحا، غاضبا كنت أم هازلا إياك أن تقترب من سب الله أو النبي أو الرب أو القرآن أو الدين كما يحصل من بعض الناس الذين لا يكترثون للإيمان ولا يهتمون لأحكام الإسلام، هؤلاء ما شمّوا رائحة الإيمان، فإن من ارتكب نوعا من أنواع الكفر في الصيام وجب عليه العود فورا إلى الإسلام بالشهادتين ويمسك بقية النهار عن المفطرات وعليه قضاء هذا اليوم في اليوم الثاني من شوال بعد رمضان والعيد.
للصيام أحكام لا بد من حضور مجالس علم الدين لتعلم أحكام الصيام لمعرفة أحكام الفطر أيّ فطر فيه القضاء فقط ، أيّ فطر فيه الفدية فقط ، أيّ فطر فيه القضاء والفدية معا ، أيّ فطر فيه الكفارة والقضاء معا .
لا بد من حضور مجلس علم الدين وذلك لأنك يا أخي تعيش في هذه الدنيا ولكن لا بد أن تعمل لآخرتك وهذا هو معنى قوله تعالى : {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} القصص / 77.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله به طريقا إلى الجنة ". كل يوم عصرا يقام الدرس الديني الضروري في هذا المسجد المبارك ، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، يتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده .
لا بد من حضور مجالس علم الدين لأن الله تعالى إنما أنزل القرآن الكريم ليعمل به لتطبق آياته .
وأما مجرد الإكتفاء بتعليقه على الجدران مزينا أو على الصدور مذهّبا من غير الإتزام بآياته البينات فهذا لا يكفي .
اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا . اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا واحفظ لسانك وجوارحك من الذنوب والآثام .
كثير من الناس تصوم بطونهم عن الطعام والشراب ولكن لا يجنّبون جوارحهم الذنوب و الآثام .
يتلوثون بما حرّم الله تعالى من آفات اللسان ومن آفاته الغيبة والنميمة و قول الزور و الكذب و البهتان عن كل هذا لا ينقطعون ولا يمتنعون .
فمن لم يترك النميمة في نهار الصيام لا ثواب له في صيامه. ليس له إلا الجوع والعطش .
فاحرص يا أخي المسلم في هذا اليوم العظيم المبارك في هذا الشهر العظيم المبارك ، احرص على أن يكون صومك كاملا مقبولا ، احرص على أن تكون من عتقاء شهر الصيام شهر رمضان، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في شهر الصيام .
تذكر إخوانك الفقراء . تذكر أبويك وحاجتهما إليك تذكر أبويك وما أعظم إحسانك اليهما حتى لو لم يكونا بحاجة إليه . تذكر أقرباءك ، تذكر صلة الرحم ، تذكر سنن الصيام وآداب الصيام .
فمن السنن تعجيل الفطور إذا ما تحقق غروب الشمس . فلا تستعجل بتناول المفطّر لمجرد الإعلان بالإذاعة قبل التحقق من غروب الشمس ولا تتأخر بالسحور لما بعد طلوع الفجر لأن من فعل هذا أي أكل بعد طلوع الفجر ظانا أن الوقت سحور عليه الإمساك بقية النهار وعليه قضاء هذا اليوم .
احرص على أن يكون من مالك الحلال ما تفطّر به الصوّام ، احرص على أن يكون من مالك الحلال ما تفطّر به الصوّام إضافة إلى صلة الرحم ، إضافة إلى بر الوالدين ، إضافة إلى حضور مجالس علم الدين إضافة إلى إظهار البهجة والسرور التي نعلّمها ونعممها على أطفالنا حتى يشعروا بتعظيم هذا الشهر العظيم المبارك . اظهروا البهجة والسرور ولا يكون ذلك بمجرد الزينة الحسية بل يكون ذلك بأن تزين نفسك بالطاعة التامة الكاملة .
احرص على حضور مجالس القرآن، احرص على أداء صلوات القضاء لمن كان عليه قضاء فوائت ومن ليس عليه قضاء فوائت ليحرص على قيام رمضان على صلاة التراويح ومن وفقه الله تبارك وتعالى وتاب توبة نصوحا فليلتزم وليجالس أهل التقوى والعلم ولا يجالس أهل الفسق والفجور حتى لا يسحبونه مرة ثانية إلى فسقهم وفجورهم .
ومن كان مريضا أو مسافرا أو حائضا أو نفساء أو حامل أو مرضع خافتا على أنفسهما فعليهما القضاء فقط ولا فدية . والحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما عليهما القضاء و الفدية .
والعجوز الفاني الشيخ الهرم الذي يخاف على نفسه الموت والتلف إذا ما صام هذا ليس عليه صيام ولا قضاء وإنما عليه الفدية يخرجها عن كل يوم بيومه ولا يؤخرها إلى آخر رمضان .
من كان له أب هرم، من كانت له أم عجوز فليتذكر هذا الحكم أن الذي لا يستطيع صوم الأداء ولا صوم القضاء ليدفع ليخرج عن كل يوم بيومه مدا من غالب قوت أهل البلد وهو القمح في بلدنا، هذا في مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه وفي مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان رضي الله عنه يخرج مقدار ما يغذي ويعشي أو قيمته بالنقد يدفعها عن كل يوم بيومه . احرصوا على حضور مجالس علم الدين للتزود من دنياكم لآخرتكم